فصل: ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة سبع وأربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه في شهر ربيع الأول احترق مشهد الحسين عليه السلام والأروقة وكان السبب في ذلك أن العوام أشعلوا شمعتين كبيرتين فسقطتا في جوف الليل على التأزير فأحرقتاه وتعدت النار‏.‏

وفي عشر بقين من هذا الشهر‏:‏ احترق نهر طابق ودار الركن اليماني من البيت الحرام وسقوط حائط بين يدي قبر النبي صلى الله عليه وسلم ووقوع القبة الكبيرة على الصخرة ببيت المقدس وأن حريقًا وقع في بعض الجامع بسامرا‏.‏

وفي هذا الشهر‏:‏ اتصلت الفتنة بين الشيعة والسنة بواسط ونهبت محال الشيعة والزيدية بواسط واحترقت وهرب وجوه الشيعة والعلويين فقصدوا علي بن مزيد واستنصروه‏.‏

وفي ربيع الآخر‏:‏ خلع على أبي الحسن بن الفضل الرامهرمزي خلع الوزارة من قبل سلطان وكانت في هذه السنة وقعة بين سلطان الدولة أبي شجاع وأخيه أبي الفوارس انهزم فيها أبو الفوارس بعد أن دخل شيراز وملكها‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ملك محمود بن سبكتكين خوارزم ونقل أهلها إلى الهند ولم يحج الناس في هذه السنة من خراسان ولا العراق‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد أبو عبد الله البزاز ابن دوست ولد في صفر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة وحدث عن محمد بن جعفر المطيري وإسماعيل الصفار والبرذعي وغيرهم وكان مكثرًا من الحديث عارفًا به حافظًا له أملى الحديث من حفظه وابن شاهين والمخلص حين تكلموا فيه بشيء لا يؤثر فقال الأزهري‏:‏ رأيت كتبه كلها طرية وكان يذكر أن أصوله العتق غرقت وهذا ليس بشيء لأنه من الجائز أن يكون قد قابل بالطرية نسخًا قد قرئت عليه وقد كان الرجل يملي من حفظه فيجوز أن يكون حافظًا لما ذهب‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا ابن ثابت قال‏:‏ حدثني عيسى بن أحمد بن عثمان الهمذاني قال‏:‏ سمعت حمزة بن محمد بن طاهر يقول‏:‏ مكث ابن دوست سبع عشرة سنة يملي الحديث عارفًا بالفقه على مذهب مالك وكان عنده عن إسماعيل الصفار وحده صندوق سوى ما كان عنده من غيره قال‏:‏ وكان يذاكر بحضرة الدار قطني ويتكلم في علم الحديث فتكلم فيه الدارقطني بذلك السبب وكان محمد بن أبي الفوارس ينكر مضينا إليه وسماعنا منه ثم جاء بعد ذلك وسمع عنه‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ حدثني أبو عبد الله الصوري قال‏:‏ قال حمزة بن محمد بن طاهر‏:‏ قلت لخالي أبي عبد الله بن دوست‏:‏ أراك تملي المجالس من حفظك فلم لا تملي من كتابك فقال لي‏:‏ انظر فيما أمليت فإن كان في ذلك خطأ لم أمل من حفظي وإن كان جميعه صوابًا فما الحاجة إلى الكتاب‏.‏

توفي أبو عبد الله ابن دوست في رمضان هذه السنة ودفن حذاء منارة جامع المنصور‏.‏

محمد بن أحمد بن خلف بن خاقان أبو الطيب العكبري سكن بغداد وحدث بها عن محمد بن أيوب الزاهد وإبراهيم بن علي الباقلاوي وغيرهما‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ سألت أبا القاسم عبد الواحد بن علي بن برهان عنه فعرفه ووثقه وأثنى عليه ثناء حسنًا وقال‏:‏ كان صدوقًا‏.‏

قال ابن ثابت‏:‏ وحدثني عنه أبو منصور بن عبد العزيز العكبري وقال لي‏:‏ ولد بعكبرا في سنة ثلاث عشرة وثلثمائة وسمعنا منه ببغداد وبعكبرا ومات ببغداد سنة سبع وأربعمائة‏.‏

محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل أبو الحسين الضبي القاضي المحاملي سمع إسماعيل بن محمد الصفار وأبا عمرو بن السماك وأبا بكر النجاد وأبا عمر الزاهد وكان ثقة صادقًا خيرًا‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا عبد الكريم بن محمد الضبي أخبرنا أبو الحسن الدارقطني قال‏:‏ محمد بن أحمد بن القاسم أبو الحسين المحاملي الفقيه الشافعي حفظ القرآن والفرائض وحسابها والدور ودرس الفقه على مذهب الإمام الشافعي وكتب الحديث ولزم العلم ونشأ فيه وهو عندي ممن يزداد خيرًا كل يوم مولده سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة‏.‏

قال ابن ثابت‏:‏ مات أبو الحسن يوم الخميس العاشر من رجب سنة سبع وأربعمائة‏.‏

أبو عمر البسطامي الواعظ الفقيه على مذهب الشافعي‏.‏

كان مناظرًا وكان أبو حامد يجله ولي قضاء نيسابور وحدث عن الطبراني وغيره وتوفي بنيسابور في هذه السنة‏.‏

محمد بن علي بن خلف أبو غالب الوزير فخر الملك كان من أهل واسط وكان أبوه صيرفيًا فتنقلت به الأحوال إلى خدمة بهاء الدولة ابن عضد الدولة وحمل إليه أموال بدر بن حسنويه وحصل لنفسه منها الكثير ولما خلعت عليه خلع الوزارة أعطى كل واحد من صغار الحواشي مائة دينار ودستًا من الثياب وأعطى حراس دار الملك السودان كل واحد عشرين دينارًا وكانوا يزيدون على الخمسين وسد البثوق وعمر سواد الكوفة وعمل الجسر ببغداد وكان قد نسى وبطل وعمل له درابزينات وعمر المارستان وداره بأعلى الحريم الظاهري قال لها الفخرية وهذه الدار كانت للمتقي لله وابتاعها عز الدولة بختيار بن معز الدولة وخربت فعمرها فخر الملك وأنفق عليها أموالًا كثيرة وفرغ منها في رمضان سنة اثنتين وأربعمائة‏.‏

وعصفت في هذه السنة ريح فقصفت ببغداد زائدًا على عشرين ألف نخلة فاستعمل فخر الملك أكثرها في أبنيته وكان كثير الصلاة والصلات يجري على الفقهاء ما بين بغداد وشيراز وكسا في يوم ألف فقير وسن تفرقة الحلوى في النصف من رمضان وأهما بعض الواجبات فعوقب سريعًا وذلك أن بعض خواصه قتل رجلًا ظلمًا فتصدت له زوجة المقتول تستغيث ولا يلتفت إليها فلقيته ليلة في مشهد باب التبن وقد حضر للزيارة فقالت له‏:‏ يا فخر الملك القصص التي كنت أرفعها إليك ولا تلتفت إليها قد صرت أرفعها إلى الله تعالى وأنا منتظرة خروج التوقيع من جهته فلما قبض عليه قال‏:‏ لا شك أن توقيعها قد خرج‏.‏

وقتله سلطان الدولة بن بهاء الدولة بالأهواز في هذه السنة وكان عمره اثنتين وخمسين سنة وأشهر وأخذ من ماله ما بلغ ستمائة ونيفًا وثلاثين ألف دينار سوى الضياعات والثياب والفروش والآلات وقيل‏:‏ أنه وجد له ألف ألف ومائتا ألف دينار مطيعية وكان استخراج ماله عجيبًا وذلك أن أبا علي الرخجي الوزير أثار هذه الأموال وكانت ودائع عند الناس وكان فخر الملك قد احتجز لنفسه من قلعة بدر بن حسنويه ما يزيد على ثلاثة آلاف ألف دينار وأودعها جماعة فوقف الرخجي على تذكرة له فاستخرجها من غير ضرب بعصا على ما نذكر في ترجمة الرخجي وقد ذكر فيها أقوامًا قد لحن بأسمائهم وكنى عن ألقابهم‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وأربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن الفتنة بين الشيعة والسنة تفاقمت وعمل أهل نهر القلائين بابًا على موضعهم وعمل أهل الكرخ بابًا على الدقاقين مما يليهم وقتل الناس على هذين البابين وركب المقدام أبو مقاتل وكان على الشرطة ليدخل الكرخ فمنعه أهلها والعيارون الذين فيها وقاتلوه فأحرق الدكاكين وأطراف نهر الدجاج ولم يتهيأ له الدخول‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ استتاب القادر المبتدعة‏.‏

أخبرنا سعد الله بن علي البزاز أخبرنا أبو بكر الطريثيثي أخبرنا هبة الله بن الحسن الطبري قال‏:‏ وفي سنة ثمان وأربعمائة استتاب القادر بالله أمير المؤمنين فقهاء المعتزلة الحنفية فأظهروا الرجوع وتبرأوا من الاعتزال ثم نهاهم عن الكلام والتدريس والمناظرة في الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام وأخذ خطوطهم بذلك وأنهم متى خالفوه حل بهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم وامتثل يمين الدولة وأمين الملة أبو القاسم محمود أمر أمير المؤمنين واستن بسننه في أعماله التي استخلفه عليها من خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة وصلبهم وحبسهم ونفاهم وأمر بلعنهم على منابر المسلمين وإيعاد كل طائفة من أهل البدع وطردهم عن ديارهم وصار ذلك سنة في الإسلام‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ عقد سلطان الدولة على جبارة بنت قرواش بن المقلد بصداق مبلغه خمسون ألف دينار‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسماعيل بن الحسن بن علي بن عباس أبو علي الصيرفي روى عنه الصيمري والأزجي وكان صدوقًا توفي في رمضان هذه السنة ودفن بمقبرة العباسية بالجانب الشرقي‏.‏

الحسن بن محمد بن يحيى أبو محمد المقرئ ابن الفحام من أهل سر من رأى حدث عن إسماعيلالصفار وقرأ القرآن على النقاش وكان ينفقه للشافعي وكان يرمى بالتشيع وتوفي بسر من رأى في هذه السنة‏.‏

يكنى أبا طاهر المشطب مولى شرف الدولة أبي الفوارس بن عضد الدولة لقبه بهاء الدولة أبو نصر بالسعيد ذي العضدين ولقبه أبو الهيجا بختكين الجرجاني بالمناصح وأشرك بينهما في مراعاة أمور الأتراك ببغداد وكان السعيد كثير الصدقة فائض المعروف حتى أن أهل بغداد إذا رأوا من لبس قميصًا جديدًا قالوا‏:‏ رحم الله السعيد لأنه كان يكسو اليتامى والضعفاء وهو الذي بنى قنطرة الخندق والياسرية والزياتين ووقف جباتها على المارستان وكان ارتفاعها أربعين كرًا وألف دينار ووقف على الجسر خان النرسي بالكرخ ووقف عليه لربحي بالقفص وسد بثق الخالص وحفر ذنابة دجيل وساق الماء منها إلى مقابر قريش وعمل المشهد بكوخ ودربه بقرب واسط وحفر المصانع عنده وفي طريقه وله آبار كثيرة بطريق مكة وكان الأصبهسلارية قد أخرجوا يوم العيد الجنائب بمراكب الذهب وأظهروا الزينة فقال له بعض أصحابه‏:‏ لو كان لنا شيء أظهرناه فقال له‏:‏ ألا أنه ليس في جنائبهم قنطرة الياسرية والخندق‏.‏

توفي في شوال هذه السنة ودفن في مقبرة الإمام أحمد بن حنبل في تربة معروفة به ووصى أن لا يبنى عليه فخالفوه وبنوا قبة فسقطت واتفق أن بعد تسعين سنة حمل ميت إلى المقبرة فتبعه النساء فتقدمتهن عجوز إلى تربة السعيد فلطمت ووافقها النساء وعدن إلى بيوتهن فانتبهت العجوز من منامها مذعورة وقالت‏:‏ رأيت تركيًا بيده دبوس وقد خرج من التربة فأراد أن يضربني وقال‏:‏ أتيت من البعد إلى تربتي فلطمت وصويحباتك فيها أبيني وبينك قرابة فلقد آذيتموني‏.‏

فسألوا عن التربة فإذا هي تربة السعيد فتجنبها النساء بعد ذلك‏.‏

علي بن مزيد ولي الولايات والأعمال وقصد في آخر أمره السلطان فاعتل في طريقه فبعث ابنه أبا الأغر دبيسا للنيابة عنه وكتب يسال تقليده ولاية عهده وإقرار أعماله في يده فأجيب وخلع على دبيس وكتب له المنشور بالولاية توفي علي في هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وأربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه قرئ يوم الخميس السابع عشر من المحرم في الموكب بدار الخلافة كتاب بمذاهب السنة وقيل فيه‏:‏ من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر حلال الدم‏.‏

وفي يوم الخميس النصف من جمادى الأولى‏:‏ فاض ماء البحر المالح ووافى إلى الأبلة ودخل إلى وفي شوال‏:‏ تقلد أبو محمد علي بن أحمد بن بشر الخراساني القضاء بالبصرة وكان قبل ذلك قاضي البطيحة‏.‏

وورد الخراسانية والناس مع المختار إلى علي بن عبيد الله ورجعوا من شاطئ الفرات ولم يعبروا التأخر الأمر في عقد الجسر وضيق الوقت‏.‏وفيها‏:‏ دخل سلطان الدولة بغداد ونظر أبو القاسم جعفر بن محمد بن فسانجس في الوزارة‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

رجاء بن عيسى بن محمد أبو العباس الأنصناوي وأنصنا قرية من قرى صعيد مصر‏.‏ولد سنة سبع وعشرين وسمع جماعة من شيوخ مصر وقدم بغداد فحدث بها فسمع منه أبو عبد الله بن بكير والعتيقي‏.‏

وكان فقيهًا مالكيًا فرضيًا ثقة في الحديث متحريًا في الرواية مقبول الشهادة عند القضاة‏.‏

وتوفي بمصر في هذه السنة‏.‏

عبد الله بن محمد بن أبي علان أبو أحمد مولده سنة إحدى وعشرين وثلثمائة وله مصنفات كثيرة من جملتها‏:‏ معجزات النبي صلى الله عليه وسلم جمع له فيها ألف معجزة وهو أحد شيوخ المعتزلة وكان يؤدي خراج ضياعه بالأهواز تسعين ألف دينار وكان أصهاره يؤدون ثلاثين ألف دينار وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة عن تسع وثمانين سنة‏.‏

علي بن نصر أبو الحسن مهذب الدولة صاحب البطائح كان له كرم ووفاء وكان الناس يلتجئون إليه في الشدائد وأكبر فخره نزول القادر عليه وخدمته إياه إلى أن جاءته الخلافة‏.‏

قال الوزير أبو شجاع‏:‏ توجت الأيام مفرق فخاره بمقام القادر بالله في جواره وصاغت له المنقبة حسبًا وصارت له إلى استحقاق المدح سببًا‏.‏

كان يرتفع له من إقطاعه تسعة آلاف وستمائة كر من الحنطة وثلاثة عشر ألف وثلثمائة وسبعون كرًا من الشعير وثمانية آلاف كر من الأرز ومن الورق ألفا ألف وسبعمائة ألف وخمسون ألفًا‏.‏

وكان بعض بلاده تضمن بعشرة آلاف دينار تزوج بنت الملك بهاء الدولة أبي نصر وأعانه نوائبه وأقرضه أموالًا كثيرة وولي البطائح اثنتين وثلاثين سنة وشهورًا وكان سبب موته أنه افتصد توفي في جمادى الأولى من هذه السنة عن اثنتين وسبعين سنة‏.‏

عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشران بن مروان بن عبد العزيز أبو محمد الأزدي المصري الحافظ كان عالمًا بالحديث وأسماء الرجال متقنًا قال الطيوري‏:‏ ما رأت عيناي مثله في معناه‏.‏

أخبرنا ابن ناصر أخبرنا المبارك بن عبد الجبار وأبو الفضل بن خيرون قالا‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الصوري قال‏:‏ قال لي عبد الغني بن سعيد‏:‏ ولدت لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة توفي في صفر سنة تسع وأربعمائة‏.‏

قال الصوري‏:‏ وقال لي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن أبي يزيد الأزدي قال لي أبي‏:‏ خرجنا يومًا مع الدارقطني من عند أبي جعفر الحسين فلقيه عبد الغني بن سعيد فسلم على أبي الحسن فقال‏:‏ يا أصحابنا ما التقيت من مرة مع شابكم هذا فانصرفت عنه إلا بفائدة أو كما قال الصوري‏:‏ وقال لي أبو الفتح منصور بن علي الطرسوسي وكان شيخًا صالحًا لما أراد أبو الحسن الدارقطني الخروج من عندنا من مصر خرجنا معه نودعه فلما ودعنا بكينا فقال‏:‏ لم تبكون فقلنا‏:‏ نبكي لما فقدناه من علمك وعدمناه من فوائدك قال‏:‏ تقولون هذا وعندكم عبد الغني قال الصوري‏:‏ وقال لي أبو بكر البرقاني سألت الدارقطني بعد قدومه من مصر هل رأيت في طريقك من يفهم شيئًا من العلم فقال لي‏:‏ ما رأيت في طول طريقي أحدًا إلا شابًا بمصر يقال له عبد الغني كأنه شعلة من نار وجعل يفخم أمره ويرفع ذكره‏.‏

أخبرنا ابن ناصر أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا أبو عبد الله الصوري أخبرنا عبد الغني الحافظ قال‏:‏ لما وصل كتابي الذي عملته في أغلاط أبي عبد الله الحاكم أجابني بالشكر عليه وذكر أنه أملاه على الناس وضمن كتابه إلي الاعتراف بالفائدة وبأنه لا يذكرها لي غني وأن أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثهم قال‏:‏ حدثنا العباس بن محمد الدوري قال‏:‏ سمعت أبا عبيد يقول‏:‏ من شكر العلم أن يستفيد الشيء فإذا ذكر لك قلت حقي على كذا وكذا ولم يكن به علم حتى أفادني فلان كذا وكذا فهذا شكر العلم‏.‏

محمد بن أمير المؤمنين القادر بالله ويكنى أبا الفضل وكان أبوه رشحه للخلافة وجعله ولي عهده ولقبه الغالب بالله ونقش على السكة اسمه وعي له في الخطبة بولاية العهد بعده ثم أدركه أجله فتوفي في رمضان هذه السنة وكان مولده في ليلة الاثنين لسبع بقين من شوال سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة ودفن بالرصافة‏.‏

ابن البصري سمع خلقًا كثيرًا وروى عنه البرقاني والأزهري وغيرهما واستوطن بيت المقدس

أخبرنا القزاز أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ قال لي محمد بن علي الصوري وقد سمع من محمد بن إبراهيم‏:‏ كان ثقة ومات ببيت المقدس رحمه الله‏.‏

 ثم دخلت سنة عشر وأربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه ورد إلى القادر بالله كتاب من يمين الدولة أبي القاسم محمود بن سبكتكين يذكر فيه ما افتتحه من بلاد الهند ووصل إليه من أموالهم وغنائمهم فقال فيه‏:‏ إن كتاب العبد وصل من مستقره بغزنة للنصف من المحرم سنة عشر والدين في أيام سيدنا ومولانا الأمير القادر بالله أمير المؤمنين مخصوص بمزيد الإظهار والشرك مقهور بجميع الأطراف والأقطار وانتدب العبد لتنفيذ أوامره العالية وتمهيد مراسمه السامية وتابع الوقائع على كفار السند والهند فرتب بنواحي غزنة العبد محمدًا مع خمسة عشر ألف فارس وعشرة آلاف راجل وأنهض العبد مسعودًا مع عشرة آلاف فارس وعشرة آلاف راجل وشحن بلخ وطخرستان بارسلان الحاجب مع عشرين ألف فارس وعشرين ألف راجل وانتخب ثلاثين ألف فارس وعشرة آلاف راجل لصحبة راية الإسلام وانضم إليه جماهير المطوعة‏.‏

وخرج العبد من غزنة يوم السبت الثالث عشر من جمادى الأولى سنة تسع بقلب منشرح لطلب الشهادة ونفس مشتاقة إلى درك الشهادة ففتح قلاعًا وحصونًا وأسلم زهاء عشرين ألفًا من عباد الوثن وسلموا قدر ألف ألف درهم من المورق ووقع الاحتواء على ثلاثين فيلًا وبلغ عدد الهالكين منهم خمسين ألفًا ووافى العبد مدينة لهم عاين فيها زهاء ألف قصر مشيد وألف بيت للأصنام ومبلغ ما في الصنم ثمانية وتسعون ألف مثقال وثلثمائة مثقال وقلع من الأصنام الفضية زيادة على ألف صنم ولهم صنم معظم يؤرخون مدته لعظم جهالتهم بثلثمائة ألف عام وقد بنوا حول تلك الأصنام زهاء عشرة آلاف بيت للأصنام المنصوبة واعتنى العبد بتخريب هذه المدينة اعتناء تامًا وعمها المجاهدون بالإحراق قلم يبق منها إلا الرسوم وحين وجد الفراغ لاستيفاء الغنائم حصل منها عشرون ألف ألف درهم وأفرد خمس الرقيق فبلغ ثلاثة وخمسين ألفًا واستعرض ثلثمائة وستة وخمسين فيلًا‏.‏

وفي ربيع الأول‏:‏ جلس القادر بالله وقرئ عهد الملك أبي الفوارس ولقب قوام الدولة وحملت وتأخر الحاج الخراسانية من هذه السنة وتوقف الأمر من العراق‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ مات الأصيفر المنتفقي الذي كان يخفر الحاج‏.‏

وفي يوم الأربعاء تاسع ذي الحجة‏:‏ نشأت ريح شديدة كالزلزلة وورد معها رمل أحمر‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ قبض على الوزير أبي القاسم ابن فسانجس وعلى اخوته‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك أبي بكر الحافظ الأصبهاني توفي في رمضان هذه السنة إبراهيم بن مخلد بن جعفر بن إسحاق الباقرحى ولد سنة خمس وعشرين وثلثمائة وسمع الحسين بن يحيى بن عياش وعلي بن محمد المصري في آخرين وكان صدوقًا حسن النقل جيد الضبط من أهل العلم والمعرفة والأدب واستخلفه القاضي أبو بكر بن منير علىالفرضة وشهد عنده وشهد عند أبي عبد الله الضبي وأبي محمد وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة ودفن بقرب قبر أبي حنيفة‏.‏

تركان بن الفرج بن تركان بن بنان أبو الحسن الباقلاوي كان يسكن باب الشام وحدث عن أبي بكر الشافعي وابن مقسم وكان صدوقًا توفي في جمادى الأولى من هذه السنة‏.‏

الحسين بن قلابوس بن عبد الله أبو عبد الله التركي سمع أبا الفضل الزهري‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال‏:‏ كان شيخنا دينًا فقيرًا مستورًا وتوفي في رجب هذه السنة‏.‏

عبيد الله بن أحمد بن جعفر أبو تغلب القاضي له شعر ورسائل وكان بينه وبين الوزير المغربي مكاتبات وكان ينوب عن أبي خازم القاضي في الجانب الشرقي من واسط توفي في جمادى الأولى من هذه السنة‏.‏

أبو القاسم الشاعر وشعره مستحسن قدم على الصاحب بن عباد فقال‏:‏ أنت ابن بابك فقال‏:‏ أنا ابن بابك توفي في شوال هذه السنة‏.‏

عبد الواحد بن محمد أبو عمر بن مهدي أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال‏:‏ عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي بن خشنام بن النعمان بن مخلد أبو عمر البزاز الفارسي كازروني الأصل سمع القاضي المحاملي ومحمد بن مخلد وابن عياش القطان وعبد الله بن أحمد بن إسحاق الجوهري ومحمد بن إسماعيل الفارسي ومحمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة وأبا العباس بن عقدة وإسماعيل بن محمد الصفار ومحمد بن عمر والرزاز وأبا عمرو بن السماك كتبنا عنه وكان ثقة أمينًا يسكن درب الزعفراني‏.‏

قال‏:‏ وسمعت محمد بن علي بن مخلد الوراق يذكر أن مولده في سنة ثماني عشرة وثلثمائة ومات فجأة في يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء النصف من رجب سنة عشر وأربعمائة ودفن في مقبرة باب حرب‏.‏

أبو الفضل التميمي حدث عن النجاد والبغوي وابن الجعابي‏.‏

قال الخطيب‏:‏ كتبنا عنه وكان صدوقًا توفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن إلى جنب قبر أحمد بن حنبل وصلى عليه نحو خمسين ألفًا‏.‏

عبد الواحد بن محمد بن عثمان أبو القاسم البجلي من ولد جرير بن عبد الله سمع النجاد والخلدي وقلد القضاء على مواضع وكان ثقة توفي في رجب هذه السنة‏.‏

محمد بن أسد بن علي بن سعيد أبو الحسن الكاتب المقرئ‏.‏

سمع أبا النجاد وجعفر الخلدي وغيرهما وكان صدوقًا وتوفي يوم الأحد لليلتين خلتا من المحرم ودفن بالشونيزي‏.‏

محمد بن المظفر بن عبد الله أبو الحسن المعدل ابن السراج روى عن أبى بكر النجاد وغيره‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أنشدنا محمد بن المظفر قال‏:‏ أنشدني أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي لنفسه‏:‏ قد كنت للحدة من ناظري أرى السهى في الليلة المقمره الآن ما أبصر بدر الدجى إلا بعين تشتكي الشبكره لأنني أنظر منها وقد غير مني الدهر ما غيره ومن طوى الستين من عمره رأى أمورًا فيه مسنتكره وإن تخطاها رأى بعدها من حادثات الدهر ما غيره توفي ابن المظفر في جمادى الأولى من هذه السنة رحمه الله‏.‏

هبة الله بن سلامة أبو القاسم الضرير المفسر كان من أحفظ الناس لتفسير القرآن وكان له حلقة في جامع المنصور وقد سمع الحديث من أبي بكر بن مالك القطيعي وغيره‏.‏

أنبأنا محمد بن أبي طاهر البزاز عن أبي طالب العشاري أخبرنا هبة الله المقرئ أخبرنا هبة الله بن سلامة المفسر قال‏:‏ كان لنا شيخ نقرأ عليه في باب محول فمات بعض أصحابه فرآه الشيخ في النوم فقال‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي قال‏:‏ فما حالك مع منكر ونكير قال‏:‏ يا أستاذ لما أجلساني وقالا من ربك من نبيك ألهمني الله عز وجل أن قلت لهما بحق أبي بكر وعمر دعاني فقال‏:‏ أحدهما للآخر قد أقسم علينا بعظيم دعه فتركاني وانصرفا‏.‏

توفي هبة الله في هذه السنة في رجب ودفن في مقبرة جامع المنصور‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى عشرة وأربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه في يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من شوال فقد الحاكم صاحب مصر وكان يواصل الركوب ليلًا نهارًا ويتصدى له الناس فيقف عليهم ويسمع منهم وكان المصريون موتورين منه فكانوا يدسون إليه الرقاع المختومة بالدعاء والسب له ولأسلافه والوقوع فيه وفي حرمه حتى انتهى فعلهم في ذلك إلى أن عملوا تمثال امرأة من قراطيس بخف وازوار ونصبوها في بعض الطريق وتركوا في يدها رقعة ظلامة فتقدم فأخذها من يدها ففتحها فرأى في أولها ما استعظمه فقال‏:‏ انظروا هذه المرأة من هي فقيل‏:‏ إنها تمثال معمول من قراطيس فقرأ الرقعة كلها وعاد إلى القاهرة ودخل إلى قصره وتقدم باستدعاء القواد والعرفاء فلما حضروا أمرهم بالمصير إلى مصر وضربها بالنار ونهبها وقتل من ظفروا به من أهلها فتوجهوا لذلك وعرف المصريون ذلك فقاتلوا عن نفوسهم قتالًا بلغوا فيه غاية وسعهم ولحق النهب والنار الأطراف والسواحل التي لم يكن في أهلها قوة على امتناع ولا قوة على دفاع واستمرت الحرب بين العبيد والرعية ثلاثة أيام والحاكم يركب كل يوم ويشاهد النار ويسمع الصياح ويسأل عن ذلك فيقال له‏:‏ العبيد يحرقون مصر وينهبونها والنار تعمل في الموضع الفلاني والموضع الفلاني فيظهر التوجع ويقول‏:‏ من أمرهم بهذا لعنهم الله فلما كان في اليوم الثالث اجتمع الأشراف والشيوخ في الجوامع ورفعوا المصاحف وعجوا بالبكاء وابتهلوا إلى الله تعالى في الدعاء فرحمهم المشارقة والأتراك فانحازوا إليهم وقاتلوا معهم وأرسلوا إلى الحاكم يقولون‏:‏ نحن عبيدك ومماليكك وهذا البلد بلدك وفيه حرمنا وأولادنا وما علمنا أن أهله جنوا جناية تقتضي سوء المقابلة فإن كان هناك باطن لا نعرفه أشعرتنا به وانتظرت علينا إلى أن نخرج أموالنا وعيالنا وإن كان ما عليه هؤلاء العبيد مخالفًا لرأيك أطلعتنا في معاملتهم بما تعامل به المفسدين فأجابهم‏:‏ بأني ما أردت ذلك ولا أذنت فيه وقد أذنت لكم في نصرتهم والإيقاع بمن يتعرض بهم‏.‏

وراسل العبيد سرًا بأن كونوا على أمركم وحمل إليهم سلاحًا قواهم به فاقتتلوا وأعادوا الرسالة إليه‏:‏ أنا قد عرفنا غرضك إنه إهلاك هذا البلد وما يجوز أن نسلم أنفسنا وأشاروا إلى بعض العبيد في قصد القاهرة فلما رآهم مستظهرين ركب حماره ووقف بين الفريقين وأومأ إلى العبيد بالانصراف وسكن الآخرين فقبلوا ذلك وشكروه وسكنت الفتنة وكان قدر ما أحرق من مصر ثلثها ونهب نصفها وتتبع المصريون من أخذ من زوجاتهم وبناتهم وابتاعوا من العبيد بعد أن فضحوهن حتى قتل منهن نفوسهن خوفًا من عار الفواحش المرتكبة منهم ثم زاد ظلم الحاكم وعن له أن يدعي الربوبية فصار قوم من الجهال إذا رأوه يقولون له‏:‏ يا واحدنا يا أحدنا يا محيي يا مميت وكان قد أسلم جماعة من اليهود فكانوا يقولون إنا نريد أن نعاود شرعنا الأول فيفسح لهم في الارتداد وأوحش أخته بمراسلات قبيحة وقال لها‏:‏ قد وقع إلي أنك تدخل الرجال إليك فراسلت قائدًا يقال له ابن دواس كان شديد الخوف من الحاكم أن يقتله فقالت‏:‏ إني أريد أن ألقاك أما أن تتنكر لي وتأتيني وأما أن أجيء إليك فجاءت إليه فقبل الأرض بين يديها وخلوا فقالت له‏:‏ لقد جئتك في أمر أحرس نفسي ونفسك فقال‏:‏ أنا خادمك فقالت له‏:‏ أنت تعلم ما يعتقده أخي فيك وأنه متى تمكن منك لم يبق عليك وأنا كذلك ونحن معه على خطر عظيم وقد انضاف إلى ذلك ما قد تظاهر به وهتكه الناموس الذي قد أقامه آباؤنا وزيادة جنونه وحمله نفسه على ما لا يصبر المسلمون على مثله فأنا خائفة أن يثور الناس علينا فيقتلوه ويقتلونا وتنقضي هذه الدولة أقبح انقضاء‏.‏

قال‏:‏ صدقت فما الرأي قالت‏:‏ تحلف لي وأحلف لك على كتمان ما جرى بيننا من السر وتعاضدني على ما فيه الراحة من هذا الرجل فقال لها‏:‏ السمع والطاعة فتحالفا على قتله وأنهما يقيمان ولده مقامه وتكون أنت صاحب جيشه ومديره وأنا فلا غرض لي إلا سلامة المهجة فأقطعته ما يحصل مائة ألف وقالت‏:‏ اختر لي عبدين من عبيدك تثق بهما على سرك وتعتمد عليهما في مهمك‏.‏

فأحضرها عبدين موصوفين بالأمانة والشهامة فاستحلفتهما على كتمان ما تخرج به إليهما فحلفا فوهبت لهما ألف دينار ووقعت لهما بإقطاع وقالت‏:‏ أريد منكما أن تصعدا غدًا إلى الجبل فتكمنا فيه فإن نوبة الحاكم أن يصعد غدًا وليس معه إلا الركابي وصبي وينفرد بنفسه فإذا قرب منكما خرجتما فقتلتما الصبي وسلمت إليهما سكينين من عمل المغاربة وقررت ذلك معهما وكان الحاكم ينظر في النجوم فنظر في مولده وقد حكم عليه بقطع في هذا الوقت وقيل فيه‏:‏ أنه متى تجاوزه عاش نيفًا وثمانين سنة فلما كانت تلك الليلة أحضر والدته وقال لها‏:‏ علي في هذه الليلة قطع عظيم وكأني بك قد تهتكت وملكت مع أختي فإنني ما يخاف عليك أضر منها فتسلمي هذا المفتاح فهو لهذه الخزانة ولي فيها صناديق تشتمل على ثلاثمائة ألف دينار فحوليها ألف دينار فحوليها إلى قصرك لتكون ذخيرة لك فقبلت الأرض وبكت وقالت له‏:‏ إذا كنت تتصور هذا فارحمني ودع ركوبك في هذه الليلة فقال‏:‏ أفعل وكان من رسمه أن يطوف كل ليلة حول القصر من أول الليل إلى الصباح في ألف رجل فقعد تلك الليلة إلى أن مضى صدر من الليل ثم ضجر وأحب الركوب فترفقت به والدته وقالت‏:‏ اطلب النوم يا مولانا فنام ثم انتبه وقد بقي من الليل ثلثه قال‏:‏ إن لم أركب وأتفرج خرجت روحي‏.‏

فركب وصعد إلى الجبل وليس معه إلا الصبي فخرج العبدان فطرحاه إلى الأرض وقطعا يديه وشقا جوفه ولفاه في كساء وحملاه إلى ابن دواس بعد أن قتلا الصبي فحمله ابن دواس إلى أخته فدفنته في مجلسها وكتمت أمره وأحضرت الوزير وعرفته الحال واستكتمته واستحلفته على الطاعة ورسمت له مكاتبة ولي العهد عن الحاكم وكان بدمشق بالمبادرة وأنفذت إلى أحد القواد يقيم في الطريق فإذا وصل ولي العهد قبض عليه وعدل به إلى تنيس وكتبت إلى عامل تنيس عن الحاكم بأن يحمل ما قد اجتمع عنده وكان ألف ألف دينار وألفي ألف درهم‏.‏

وفقد الناس الحاكم فماجوا في اليوم الثالث وقصدوا الجبل فلم يقفواعلى أثر فعادوا إلى أخته فسألوها عنه فقالت‏:‏ قد كان راسلني قبل ركوبه وأعلمني أنه يغيب سبعة أيام‏.‏

فانصرفوا على طمأنينة ورتبت ركابية يمضون ويعودن كأنهم يقصدون موضعًا ويقولون لكل من يسألهم فارقناه في الموضع الفلاني وهو عائد يوم كذا ولم تزل الأخت تدعو في هذه الأيام وجوه القواد وتستحلفهم وتعطيهم وألبست أبا الحسن علي ابن الحاكم أفخر الملابس واستدعت ابن دواس وقالت له‏:‏ المعول في القيام بهذه الدولة عليك وتدبيرها موكول إليك وهذا الصبي ولدك فينبغي أن تنتهي في الخدمة إلى غاية وسعك فقبل الأرض ووعد بالإخلاص في الطاعة وأخرجت الصبي وقد لقبته الظاهر لإعزاز دين الله وألبسته تاج المعز جد أبيه وأقيمت المآتم على الحاكم ثلاثة أيام ورتبت الأمور ترتيبًا مهذبًا وخلعت على ابن دواس خلعًا كثيرة وشرفته تشريفًا عظيمًا فخرج فجلس معظمًا فلما تعالى النهار خرج نسيم صاحب الستر والسيف ومعه مائة رجل كانوا مختصين بركاب السلطان يحملون سيوفًا بين يديه وكانوا يتولون قتل من يؤمر بقتله فسلموا إلى ابن دواس يكونون بحكمه وتقدمت الأخت إلى نسيم أن يضبط أبواب القصر بالخدم ففعل وقالت له‏:‏ أخرج وقف بين يدي ابن دواس وقل يا عبيد مولانا الظاهر يقول لكم‏:‏ هذا قاتل مولانا الحاكم وأعملهم بالسيف ومرهم بقتله ففعل ثم قتلت جماعة ممن أطلع على سرها فعظمت هيبتها وكان عمر الحاكم سبعًا وثلاثين سنة ومدة ولايته خمسًا وعشرين سنة‏.‏وفي هذه السنة ولي أبو تمام بن أبي خازم القضاء بواسط من قبل قاضي القضاة أبي الحسن‏.‏

وفيها‏:‏ انحدر سلطان الدولة إلى واسط وخلع على أبي محمد بن سهلان الوزير وأمره أن يضرب الطبل في أوقات الصلاة ثم قبض عليه وكحل بعد ذلك‏.‏

ووقع حرب بين السلاطين عند واسط فاشتدت مجاعتهم فقطعوا عشرين ألف رأس من النخل فأكلوا جمارها ودقوا الأجذاع واستفوها وأكلوا البغال والكلاب وبيع الكر الحنطة بألف دينار قاشانية وبطل الحج في هذه السنة‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن موسى بن عبد الله بن إسحاق أبو بكر الزاهد الروشنائي من أهل مصراثا وهي قرية تحت كلواذي سمع أبا بكر بن مالك القطيعي وأبا محمد بن ماسي وغيرهما‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ قال‏:‏ أحمد بن موسى الروشنائي نعم العبد كان فيه فضل وديانة وصلاح وعبادة كتبت عنه في قريته وكان له بيت إلى جنب مسجده فيدخله ويغلقه على نفسه ويشتغل بالعبادة ولا يخرج منه إلا لصلاة الجماعة وكان شيخنا أبو الحسين بن بشران يزوره في الأحيان ويقيم عنده العدد من الأيام متبركًا برؤيته ومستروحًا إلى مشاهدته‏.‏

توفي بمصراثا في رجب هذه السنة خرج الناس من بغداد حتى حضروا الصلاة عليه وكان الجمع كثيرًا جدًا ودفن في قريته‏.‏

الحسين بن الحسين بن علي أبو القاسم القاضي‏.‏

ابن المنذر ولد سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة وسمع إسماعيل الصفار وأبا عمرو بن السماك والنجاد والخلدي وغيرهم‏.‏

وكان صدوقًا ضابطًا صحيح النقل كثير الكتاب حسن الفهم وخلف القاضي أبا عبد الله الحسين بن هارون الضبي على القضاء ببغداد ثم خرج إلى ميافارقين فتولى القضاء هناك سنين كثيرة ثم عاد إلى بغداد وأقام يحدث بها إلى حين وفاته وتوفي في شعبان هذه السنة‏.‏